مقدمة
منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع عام 2023، بدأ الصراع يأخذ طابعًا إقليميًا ودوليًا معقدًا.
فقد تحوّلت البلاد إلى ساحة تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية لدول عدة، بعضها يُتَّهم بدعم مباشر أو غير مباشر لأطراف الصراع، وعلى رأسها قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
في هذا المقال نرصد الدول الداعمة للدعم السريع وأسباب ذلك الدعم وفقًا للمعطيات الحديثة.
1. الإمارات العربية المتحدة: النفوذ الاقتصادي والسياسي
تُعدّ الإمارات أبرز دولة تُوجَّه لها الاتهامات بدعم قوات الدعم السريع.
مصادر دبلوماسية وتقارير دولية أشارت إلى أن الإمارات وفّرت أشكالًا من الدعم اللوجستي والمالي لتلك القوات، انطلاقًا من مصالح اقتصادية واستراتيجية واسعة.
الذهب السوداني يمثل أحد أهم الروابط بين الطرفين، إذ تُعد الإمارات من أكبر مستوردي الذهب من السودان.
كما تسعى أبوظبي إلى توسيع نفوذها في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وهو ما يجعل السودان جزءًا مهمًا من خريطتها الجيوسياسية.
من جانبها، الإمارات تنفي هذه الاتهامات وتؤكد أن دورها إنساني وتنموي فقط، وتدعو إلى الحل السلمي في السودان.
2. روسيا: حضور غير مباشر عبر شركات أمنية
تلعب روسيا دورًا غير معلن في الساحة السودانية من خلال شركات أمنية خاصة مثل “فاغنر”.
هذه الشركات ساهمت في تدريب عناصر من قوات الدعم السريع وفي عمليات تبادل للذهب مقابل الدعم العسكري.
النفوذ الروسي في السودان يرتبط بمصالح أوسع تشمل الحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر وتعزيز الحضور في أفريقيا.
لكن مع تطور الحرب وتبدّل التحالفات، بدأت موسكو تميل إلى الحياد النسبي مع الإبقاء على قنوات اتصال مع الجانبين.
3. دول إقليمية متأثرة بالصراع
هناك دول مجاورة مثل تشاد وإريتريا وإثيوبيا تُتَّهَم أحيانًا بتسهيل تحركات قوات الدعم السريع عبر الحدود، سواء عبر الإمداد أو السماح بمرور الدعم اللوجستي.
هذه الدول تتعامل بحذر مع الصراع السوداني لأنها تتأثر به بشكل مباشر من ناحية الأمن واللاجئين.
ورغم أن دعمها ليس علنيًا، إلا أن وجود تداخلات قبلية وحدودية يجعلها جزءًا من المشهد المعقّد.
4. دوافع الدعم الخارجية
تتعدد دوافع الدول التي تدعم قوات الدعم السريع، ويمكن تلخيصها في ثلاثة محاور رئيسية:
- الاقتصاد: السيطرة على الذهب السوداني والموارد الطبيعية.
- النفوذ الجيوسياسي: التمركز في البحر الأحمر وموازنة القوى الإقليمية الأخرى.
- الأمن الإقليمي: ضمان عدم وصول النفوذ التركي أو القطري إلى السودان.
هذه العوامل مجتمعة تجعل السودان ساحة تنافس بين قوى تبحث عن النفوذ والثروة أكثر من الاستقرار.
5. الموقف الرسمي لقوات الدعم السريع
من جهتها، تؤكد قوات الدعم السريع أنها تعتمد على مواردها الذاتية، وتنفي تلقي دعم خارجي مباشر.
لكن واقع الحرب، وحجم التسليح الذي تمتلكه، يدفع كثيرين للتساؤل حول مصادر تمويلها، خصوصًا مع استمرارها في القتال لفترة طويلة رغم العزلة السياسية والدبلوماسية.
الخلاصة
الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع — سواء كان مباشرًا أو غير مباشر — يعكس تشابك المصالح الدولية في السودان.
فكل دولة تنظر إلى الصراع من زاويتها الخاصة: بعضهم يرى فيه فرصة اقتصادية، وآخرون يراه وسيلة لتوسيع النفوذ.
لكن النتيجة واحدة: السودان أصبح ميدانًا لصراع قوى متعددة، والشعب السوداني هو الخاسر الأكبر حتى الآن.
ومع استمرار الصراع، سيبقى سؤال “من يدعم من؟” مرآة تكشف طبيعة التحالفات الخفية التي تعيد رسم خريطة المنطقة.
